ذئاب الغابة.. أم غابة الذئاب؟!
تسير كالثور في الساقية مغمَض العينين مكبل اليدين، لفة وراء أخرى، لا تستطيع توقفاً، تظل كذلك حتى يأتي الرابطون الذين أحكموا الغطاء على عينيك فيرفعوه بشكل مؤقت كي تستريح قليلاً، ثم تواصل السير في الساقية، وهكذا حتى يأتي الله بأمره.
تعود إلى بيتك محملاً بأثقالك وهمومك، فلا تستطيع حمل أثقالك، ولا تجد من يحمل عنك همومك، ولا تجد وسيلة لتخفيفها، فتقول في نفسك: "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين".
تهرب من نفسك إلى نفسك فتجد مسافة بالأميال، وأميالاً بالآمال، وآمالاً كالجبال، وجبالاً كالليالي الطوال..!
تبحث عن روحك فتجدها هائمة، سابحة في ملكوت آخر، تبحث عن نصف فقدته، أو نصف فقدها..!
تتساءل بدهشة، وتندهش ممن حولك، وتنظر بعين الرضا فتجدها عن كل عيب كليلة وعين السخط تبدي المساويا..!
ترى أناساً غرباء، وأنت الغريب، تبحث عن شرفاء في عصر المتعة الرخيصة وسوق المهانة العربية..!
تبحث عن سلام ممن سلمونا وسلموا أنفسهم حماية لعرض زائل أو منصب قاتل أو موالاة لعدو جاهل..!
تسمع خطباء الفتنة يحذرون، ومن لا يملكون من أمرهم شيئاً يتوعدون، وخائفين يهددون..!
تجد خائنة لا حديث لها إلا الشرف، ومخادعاً لا يكل ولا يمل ولا يكف عن الوعود..!
تجد حاكماً لا يحكم، وعالِماً لا يعلَم، ومحدثاً لا يحسن الرفع ولا النصب ولا الجر..!
تجد المتحدث الرسمي يتحدث عن ولي النعمة، وكاشف الغمة، ورب الحكمة، والقائد والزعيم والملهم و... و... و...!
تجد محكوماً بالحديد والنار يسهب في الحديث عن الحرية، والديموقراطية، والإمبريالية، والشيوعية، والاشتراكية، والرأسمالية، وأي حاجة لها .........لية..!
تجد الأفاكين يتحدثون عن الصدق، والصادقين، والصدقات، والمتصدقين والمتصدقات..!
تجد فناناً متهماً بالشذوذ "آسف على اللفظ" يحدثك عن المبادئ والأخلاق والقيم والمثل الوسطى والعليا والسفلى بلا مقدمة ولا ....!
تجد مطلقاً فشل في الحفاظ على بيته، يحدثك عن السعادة والبيت وأسسه، وكيف تعامل زوجتك، وكيف تنجب أولاداً، وكيف تربيهم، وكيف، وكيف، وكيف؟!
تجد أرملة مات زوجها قهراً منها، تشرح لزميلاتها كيفية مواجهة الأزمات، والبعد عن المشكلات، والاحتفاظ بالرجل حتى الممات.. مماته هو طبعاً..!
تجد فقيهاً ينفق ماله ووقته، بل مال الدولة ووقت غيره في تأليف كتب للصد عن سبيل الله، بدلاً من إنفاق هذا المال على محاربة السفور والتبرج والخلاعة..!
تجد السفهاء يملكون، والجهلاء يحكمون، والحمقى يديرون، وكل هؤلاء يأمرون وينهون..!
تجد الهادين حائرين، والعلماء مبعدَين، وأهل الحل والعقد هم أهل الكذب والرياء والنفاق و"شخبطة ابن سعادتك تخطيط لأحلام الأمة يا افندم"..!
تجد أصحاب التربيطات، والشبكات، والعلاقات، والمؤامرات، و"أبوك السقا مات"، و"اللي فات فات"، هم أصحاب الحظوة، والجاه، والمنصب وكل الامتيازات..!
ترى أصحاب الكفاءات، والمؤهلات، والخبرات، والمروءات، والشهامات، والكرامات، يبعَدون بفعل فاعل، ويظلَمون بجهل جاهل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
تجد كل ما أنعم الله به علينا من علم وتكنولوجيا وطبخالوجيا ومعرفالوجيا اختزلناه إلى "سي دي لوجيا" فقط يستخدمها من يدعي معرفته بكل ثغرات القانون ضد من يزعم أنه رجل الإعلام الأول والأوحد..!
نقرأ ونسمع ونرى بالصوت والصورة والـ "س دي" والـ "يو تيوب" و"الفيديو" و"النت" و"الموبايل" ما يندى له الجبين، وتخشاه العين، ولا يسر الناظرين ولا يفرح البائسين..!
أهذه دنيا التي نحياها؟!
أهؤلاء بشر الذين ننتسب إليهم؟!
أهذا واقع؟!
أم أنه غابة لا مكان فيها للضعيف، ولا زمان فيها للشريف، ولا زمان ولا مكان فيها للعفيف..!
رحم الله من قال:
قتل ذئب في غابة جريمة لا تغتفر
وقتل أمة بأسرها مسألة فيها نظر..!
فهل نحن في غابة أم أن الغابة ضاقت بنا، ومن أفعالنا، وأقوالنا، وأهوالنا، وظلمنا، وجبروتنا، وتكبرنا، وغرورنا، و... و... و...؟!
وسؤالي من مليارات أو تريليونات الأسئلة التي لم ولن أجد لها إجابات:
هل نحن أصبحنا ذئاباً في غابة.. أم أننا أصحبنا في غابة كلها ذئاب؟!
سامحوني.. وفقكم الله وجعلني أهلاً لمحبتكم جميعاً.
محمد عبدالمعز