سعيد بن جبير
بن جبير بن هشام الأسدي الوالبي مولاهم أبو محمد ويقال : أبو عبدالله الكوفي . مولى والبة بن الحارث بطن بني أسد بن خزيمة كوفي أحد أعلام التابعين وكان أسود اللون .
ولد عام 45 هــ ، وعاش بالكوفة ثم دخل أصبهان وعاد إلى العراق وسكن قرية سنبلان .
قال ابن حبان : كان فقيها عابدا فاضلا ورعا .
قال الإمام أحمد : قتل الحجاج سعيد بن جبير وما على وجه الأرض أحد إلا وهو مفتقر إلى علمه .
قال أبو القاسم الطبري : هو ثقة إمام حجة على المسلمين .
قيل للحسن البصري : إن الحجاج قد قتل سعيد بن جبير . فقال : اللهم ايت على فاسق ثقيف والله لو أن أهل الأرض اشتركوا في قتله لكبهم الله في النار ..
روى عن جمع من الصحابة منهم ابن عباس وروايته عن عائشة وأبي موسى مرسلة .
محنته مع الحجاج :
قال له الحجاج : ما اسمك ؟
سعيد : سعيد بن جبير .
الحجاج : بل أنت شقي بن كسير .
سعيد : بل كانت أمي أعلم باسمي منك .
الحجاج : شقيت أمك وشقيت أنت .
سعيد : الغيب يعلمه غيرك .
الحجاج : لا بد لك بالدنيا نارا تلظى .
سعيد : لو علمت أن ذلك بيدك لاتخذتك إلها .
الحجاج : فما قولك في محمد ؟
سعيد : نبي الرحمة وإمام الهدى .
الحجاج : فما قولك في علي أهو في الجنة أم هو في النار ؟
سعيد : لو دخلتها وعرفت من فيها عرفت أهلها .
الحجاج : فما قولك في الخلفاء ؟
سعيد : لست عليهم بوكيل .
الحجاج : فأيهم أعجب إليك ؟
سعيد : أرضاهم لخالقي .
الحجاج : فأيهم أرضى للخالق ؟
سعيد : علم ذلك الذي يعلم سرهم ونجواهم .
الحجاج : أحب ان تصدقني .
سعيد : إن لم أحبك لن أكذبك .
الحجاج : فما بالك لم تضحك ؟
سعيد : وكيف يضحك مخلوق خلق من طين والطين تأكله النار !
الحجاج : فما بالنا نضحك ؟
سعيد : لم تستو القلوب .
ثم بعدها أمر الحجاج باللؤلؤ والمرجان والزبرجد والياقوت فجمعه بين يديه فقال سعيد :
إن كنت جمعت هذا لتتقي به فزع يوم القيامة فصالح ، وإلا ففزعة واحدة تذهل كل مرضعة عما أرضعت ولا خير في شيئ للدنيا إلا ما طاب وزكا .
ثم دعا الحجاج بالعود والناي ، فلما ضرب بالعود ونفخ بالناي بكى سعيد .
فقال الحجاج : ما يبكيك ؟ أهو اللعب ؟
سعيد : هو الحزن ، أما النفخ فذكرني يوما عظيما يوم ينفخ في الصور وأما العود فشجرة قطعت من غير حق ، وأما الأوتار فمن الشاة تبعث يوم القيامة .
وهنا اشتدت المحنة وغضب الحجاج وكاد ينهي هذه المحنة ولكنه تريث .
قال الحجاج : ويك يا سعيد .
فقال : لا ويل لمن زحزح عن النار وأدخل الجنة .
قال الحجاج : اختر يا سعيد أي قتلة أقتلك ؟
فقال : اختر أنت لنفسك ، فوالله لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله مثلها في الآخرة .
فقال : أتريد أن أعفو عنك ؟
فقال : إن كان العفو فمن الله ، وأما أنت فلا براءة لك ولا عذر .
عند ذلك ضاق الحجاج ذرعا بسعيد ولم يطق صبرا عليه فأمر بإنهاء المحنة .
قال الحجاج : اذهبوا به فاقتلوه ، فلما خرج ضحك ، فأخبر الحجاج بذلك فردوه إليه ، وقال : ما أضحكك ؟
قال : عجبت من جرأتك على الله وحلم الله عليك !!!
فأمر بالنطع فبسط وقال : اقتلوه .
فقال سعيد : ﴿إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين﴾ .
قال الحجاج : وجهوه لغير القبلة .
قال سعيد : ﴿فأينما تولوا فثم وجه الله﴾ .قال الحجاج : كبوه على وجهه .
قال سعيد : ﴿ منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى﴾.
قال الحجاج : اذبحوه .
قال سعيد : أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله ، خذها مني حتى تلقاني بها يوم القيامة ... ( اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي ) .
فذبح من الوريد إلى الوريد ولسانه رطب بذكر الله .. وبهذا انتهت محنة سعيد بن جبير رحمه الله ..
وبعد مقتل سعيد بن جبير اغتم الحجاج غما كبيرا وكان يقول : ما لي ولسعيد بن جبير كلما أردت النوم أخذ برجلي !
ويقال : إنه رؤي الحجاج في النوم بعد موته .
فقيل له : ما فعل الله بك ؟
فقال : قتلني بكل قتيل قتلة وقتلني بسعيد بن جبير سبعين قتلة .
قال أبو القاسم الطبري : قتل سعيد بن جبير سنة خمس وتسعين للهجرة وهو ابن 49 سنة .
وقيل : إن قتله كان في آخر سنة 94 هــ ، وقبره بواسط ..
قتله الحجاج صبرا ، واستشهد وهامته مرفوعة وله ثلاثة بنين : عبدالله ومحمد وعبدالملك ا.هــ .