النفس المطمئنة
الحديث عن النفس ذو شجون.. فقد اهتم الإسلام بالنفس اهتماماً بالغاً فقال عز وجل: ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها –أي حقرها- وقد ربط الله التغيير بتغيير النفوس فقال سبحانه: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.. والمقصود بالتغيير هنا أن يكون للأفضل والأحسن بالتأكيد.
والنفس أنواع.. فمنها الأمارة واللوامة والمطمئنة.. وقد ذم الإسلام النفس الأمارة فقال أصدق القائلين: إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي.. جعلنا الله وإياكم ممن رحمهم ربي الذي وسعت رحمته كل شيء.. ولا تنسوا –أحبابي- أن الله سبحانه قال: فسأكتبها للذين يتقون –أي الرحمة- جعلنا الله وإياكم من المتقين.
أما النفس اللوامة فقد أقسم الله بها لعظمها وأثرها وتأثيرها حيث قال جل وعلا: "لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَة وَلا أُقْسِمُ بِالنّفْسِ اللّوّامَة".
واختلف المفسرون وعلماء اللغة حول ما إذا كان التعبير القرآني "لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَة" يفيد القسم أم انه لا يفيد ذلك، والغالب أنها تفيد القسم و"لا" النافية لزيادة التأكيد على عظمة المقسم به.. أي أن (لا أقسم) صيغة قسم والله أعلم.
وقد أنزل الله قرآنا يتلى حتى يرث الله الأرض ومن عليها في النفس المطمئنة.. فقال ربي والحق ما قال ربي: "يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي".
أصحاب النفوس المطمئنة هم أصحاب الهمم العالية.. الذين تشغلهم عظائم الأمور عن سفائفها.. الذين تطمئن قلوبهم بذكر الله، وترتاح نفوسهم في طاعة الله، ويقنعون برزق الله ويمشون في أرض الله ويأكلون مما رزقهم الله حلالاً طيباً ويتمنون من الله أن يبارك لهم فيه.
أصحاب النفوس المطمئنة هم الذين يعتبرون أن العالم أسرة.. أم وأب وعم وخال وعمة وخالة وأبناء فيعطفون على صغير العائلة ويحترمون كبيرها.. يتحابون فيما بينهم ويتآلفون، يتسامحون ويسامحون، ينصحون ويتناصحون، يسمعون ويفعلون ما يؤمرون ويطيعون في غير معصية ويشكرون الله على نعمه التي لا تعد ولا تحص عليهم "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار".
أصحاب النفوس المطمئنة هم الذين يتكلمون الحق وينطقون الصدق ويحبون لله ويكرهون له.. هم الذين عرفوا الله فأحبوه وسمعوا كلامه فأطاعوه.. هم الذين يحبهم الله ويحبونه.. أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين.. لا يخافون لومة لائم لأنهم خافوا أن يستبدلهم الله.. فاللهم استعملنا ولا تستبدلنا وادفع لنا ولا تدفع بنا وامكر لنا ولا تمكر بنا واجعلنا من أصحاب النفوس المطمئنة وأرجعنا إليك راضين مرضيين وأدخلنا في عبادك وأدخلنا جنتك إنك ولي ذلك والقادر عليه.
أخوكم محمد عبد المعز
أبوظبي