لفت انتباهي وهو يحاول دفع باب القهوة بصعوبة فقمت مسرعا وساعدته على فتح الباب:
- تفضل يا أخي
نظر إلي نظرة أرعبتني .. نظرة مليئة بالتعب والإجهاد .. لم أرى في حياتي وجها أشد إرهاقا من وجهه .. كان يرفع حاجبيه وجفنيه بصعوبة .. بينما احتل السواد منطقة ما حول عيناه المحمرتان واللتان لا يكفان عن الحركة يمينا ويسارا.
- خير يا أخ هل أنت بخير؟
نظر إلي وكأنه لم يسمعني .. وبدأ في تصفح وجهي في بؤس شديد ثم قال بصوت ضعيف:
- هل أنت إبراهيم الصقر؟
- نعم يا أخي وصلت..
لم أكمل جملتي حتى انهار علي وتمسك بطرف ثوبي وبدأ يبكي بشدة .. أصبت بحرج شديد بينما كان الزبائن يستطلعون الأمر بأعين متسائلة .. فجلست وأمسكت بكتفه
- ما بك يا أخي .. خير إن شاء الله؟
أمسك بكتفي بيده المرتعشة وحاول القيام مره أخرى لكن يده انزلقت وكأن لا قوة فيها فسقط على وجهه مباشرة فأسرعت بإمساكه ورفعه إلى حجري وبدأت أصرخ فيه:
- ما بك؟ ما بك؟
نظر إلى السقف وزفر زفرة اقشعر منها بدني حتى غلب على ظني أنه سيفارق الحياة الآن .. فاختلط علي الكلام من هول الموقف .. وحاولت أن أجمع أفكاري بسرعة .. فبادرته:
- قل لا إله إلا الله
التفت إلي وابتسم وقال بضعف:
- أنا لا أموت الآن أنا أتعذب
التفت إلى مسعود :
- اطلب الإسعاف فورا
لكنه فاجأني بقوله:
- لا!! لا حاجة للإسعاف .. علتي لا يشفيها طبيب .. لقد ذهبت إليهم جميعا ولم ينفعني منهم أحد
بدأت علامات الحيرة على وجهي ولم أعرف ماذا أفعل، لكنه حسم الأمر بقوله:
- أنت تفسر الأحلام؟
- من قال لك ذلك؟
- سمعت الكثير عن..
- توقفت يا أخي .. توقفت منذ زمن .. بعدما اقتنعت أن المفسر يصيب ويخطأ .. وعندما رأيت تعلق الناس الشديد بالأحلام وتفسيرها .. عندها توقفت عن التفسير.
أراد الإمساك بثيابي إلا أن يده الخائرة القوى انهارت وسقطت:
- أرجوك .. احتاج إليك .. حياتي تحولت إلى جحيم .. أرجوك
حينها أحسست بخطورة وضعه، وكان لابد أن انزل عند رغبته
- حسنا حسنا يا أخي .. قل ما عندك .. عسى الله أن يوفقني لمساعدتك
ابتسم ابتسامة متعبة لم تلبث أن انقلبت إلى تكشيرة ألم وهو ينطق بهذه الكلمات بشفتين مرتعشتين:
- رأيت في المنام أني أدخل النار..
- يا ساتر يا رب
- حلم رهيب .. رهيب جداً ..
اتسعت عيناه وهو يكمل:
- كل أنواع العذاب رأيتها يا صقر !! كل أنواع العذاب !!
- ماذا رأيت؟
- تربط قدمي بالسلاسل .. وأجر وأسحل على وجهي إلى ساحة العذاب .. أحاول التشبث بالأرض بأظافري حتى تسقط فيسيل دمي .. وفور وصولي إلى الساحة .. يهجم علي الكثيرون .. فأجلد بشدة حتى يتقطع لحمي من شدة الجلد .. وهناك من يرجموني بالحجارة حتى تتكسر عظامي .. وآخرون يقطعون جسمي بالكلاليب ..
- يا الله
- الألم لا يحتمل يا صقر .. أحس بكلاليبهم وهي تسحب أعصابي وتقتلعها من مكانها
- يا ساتر يا رب
- ثم يجروني على جمر يشوي لحمي حتى أشم رائحة احتراقه .. يجروني .. يجروني ..
عيناه تزداد في الاتساع وهو ينطقها:
- ثم يرموني في النار!! عندها استيقظ وأنا أصرخ..
[left]