خطاب تبريري
"ومن الحب ما فَـتَـل"..!
تحاصرنا وسائل إعلامنا المقروءة والمسموعة والمرئية بخطاب تبريري يمجِّـد الحب، ويمدح الغزل غير العفيف، وينحاز إلى من يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا..!
ويتفنن خطابنا الإعلامي "التنويري" في رسم خارطة الطريق للشاب لكي يعد الفتاة ويمنيها "وما يعدها إلا غروراً"..!
وترسم تلك الخارطة أيضاً للفتاة طريق الإيقاع بالشاب في حبائلها، كي يصبح أسيراً لها، تأمر فتُطاع، وبمجرد أن تفتح فمها، وقبل أن تنبس ببنت شفة، يقول لها المسكين: "شبيك لبيك" بلغة العفاريت، والفرق ليس كبيراً بين شياطين الإنس والجن الذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً..!
وتشرح وسائل إعلامنا غير الميمونة للشاب أكثر من طريقة، خطوة بخطوة، للقاء من يتوهم أنها حبيبته، على انفراد، فنظرة، فابتسامة، فسلام، فكلام، فشيطان (إن الشيطان كان لكم عدواً فاتخذوه عدوا).
وتفصِّـل تلك الوسائل للفتاة وسائل الكذب على أهلها، فتارة عند صديقتها، وأخرى عند "الخياطة" وثالثة في زيارة مريضة، ورابعة.. وخامسة.. وسادسة.. كل ذلك كي تنعم باختلاس "ساعة بقرب الحبيب" المزعوم، الذي ما إن يصل إلى غايته الدنيئة منها يولي مدبراً ولا يعقب..!
خطابنا الإعلامي مدروس بعناية من القائمين عليه، وليته في الخير، فالاختلاط تقدُّم، والعُـري تمدُّن، وترك الحبل على الغارب تحضُّـر، والخمر مشروب روحي، والدعارة فن، والدياسة "أكل عيش"، و... و...!
مبررات خطابنا الإعلامي "التنويري" جاهزة، ومطبوخة، ومسبوكة، ومحبوكة، فالعاهرة مسكينة مضطرة إلى ذلك فكيف تنفق على نفسها والأيتام الذين لا عائل لهم؟! والخائنة معذورة، فزوجها مريض أو عاجز أو كبير السن، وهي شابة ومن حقها أن تعيش حياتها، فقد ظلمها أهلها بتزويجها بمن هو في سن والدها، وتزيد الطين بلة باختلاق الأعذار للأب الذي يفعل ذلك من شدة الفقر، أو الأم التي تبيع ابنتها لإحدى سيدات المجتمع الأثرياء كي تنفق على إخوتها الباقين، و"لا تسألني من أنا"..!
خطابنا الإعلامي استطاع بحرفية عالية اكتساب تعاطف المساكين، فتجدهم متعاطفين مع التي تمتهن الزنى مع أن الحرة تجوع ولا تأكل بثدييها..!
تجد هؤلاء المساكين يتمنون ألا يحكم على القاتل بالإعدام، متحاملين على المجتمع، والظروف والناس، وأشياء أخرى لا حصر لها، فماذا تفعل "الزانية"؟! هل تنام في الشارع؟! هل تأكل ورق الشجر؟! هل تترك إخوتها أو أبناءها أو من تعول يموتون جوعاً؟! وكذلك ماذا يفعل المجرم؟!
أتدرون لماذا؟!
لأن خطابنا الإعلامي "التبريري" أغلق في وجه القاتل والزانية وغيرهما كل منافذ الخير، قبل أن يفتح أمامهم كل أبواب ومنافذ وجدران وأسقف الشر..!
خطابنا الإعلامي "المنفتح" برر الاغتصاب بـ "الانغلاق" وأن الشباب والفتيات معذورون فماذا يفعلون؟! وبرر السرقة بـ "الحاجة" بأن السارق يفعل ذلك لكي يأكل ويطعم من يعول، مدافِعاً عمَّن "يهبر" و"يهبش" و"يغرف" بالملايين والمليارات والتريليونات، وبرر الخيانة بأنها مشروعة، وبرر، وبرر، وبرر، لدرجة أننا أصبحنا لا نطيق للمبررات عداً ولا نستطيع لها حصراً من حسرتنا وحيرتنا وهواننا على أنفسنا قبل أن نهون على غيرنا..!
بعد كل ذلك هل ترون أن إغلاق القنوات الإسلامية التي تدل الناس على الخير، والفضيلة، وتعلِّم الناسَ صحيح الدين من الكتاب والسنة، غريب؟!
هل ترون أن مبررات خطابنا الإعلامي مقنعة لطفل لم يبلغ الحلم؟!
هل ترون أن المبررات التي يزعمون "الطائفية، والتطرف، ومخالفة اللوائح والقوانين و... و... و..." هي سبب الإغلاق؟!
دليل واحد فقط يدحض هذا الإفك.. كم قناة طائفية وحزبية وعرقية ودينية، وتخالف كل الشرائع السماوية، لاتزال وستظل موجودة؟!
تعِب الكلامُ من الكلام وأصبحنا للأسف الشديد على مائدة اللئام..!
بعد أن منَّ الله عليَّ بكتابة "اليوم العالمي لغسل اليدين" وجدت الأيدي التي بحاجة إلى الغسل زادت، وتفشت، وتجبرت، وطغت لدرجة أنها أصبحت بحاجة إلى القطع لأنها لم ولن تنظف أبداً مهما تنظفت وتعقمت وتطيبت فالبلد الطيب يخرج نباته طيباً بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكداً..!
تنويه.. أرجو التكرُّم بإعادة قراءة العنوان، فالفرق بين "ومِن الحبِّ ما قَـتَل" "ومِن الحبِّ ما فَـتَـل" نقطة، فلنجعلها نقطة ونبدأ من أول السطر، أو نقطة ونقلب الصفحة لنفتح صفحة جديدة، أو نقطة في مشوار الألف ميل الذي يبدأ بخطوة.. بعيداً عن النقطة التي تفرق بين "الحرب" و"الحزب" أو الحرف الذي يفرق بين "الحب" و"الحرب"..!
أما الفرق بين "قَـتَل" وفَـتَـل" في المعنى فطفيف جداً: قتل يقتل فهو قاتل أو مقتول، وفتل يفتل فهو فاتل أي يصنعُ حبلاً يقتُـل أو يُقتَـل به (ولا تظلمون فتيلاً).
محمـد عبـد المعـز