من يكتب التاريخ؟!
سؤالٌ قديمٌ متجدد.. قديم بقِدَم سائليه، ومتجدد بتجدد المجيبين عنه، فمن يكتب التاريخ؟!
هل يكتبه المنتصرون؟!
أم أن المنهزمين هم الذين يكتبون التاريخ؟!
هل يكتبه المحايدون، أو مجموعة عدم الانحياز "التي كانت"؟!
هل يكتبه أمناء عليه، أم مستفيدون منه؟!
هل يكتب التاريخ صانعوه، أم المنبهرون بهم؟!
هل يكتبه الواصلون أم الوصوليون؟!
أسئلة لا تنتهي وتبحث عن إجابات في ركام الكتب، وجنبات المواقع، وشاشات الفضائيات.
سمعنا كثيراً تحليلات من يزعمون أنهم محللون..!
وقرأنا كثيراً لمن يدعون أنهم مؤرخون..!
وبين المحللين والمؤرخين شاهدنا تنبؤات السياسيين، وتوقعات الاقتصاديين، وخرائط العالم أو "الشرق الأوسط الجديد" وفقاً لرؤية العسكريين..!
وحار المفكرون ولا يزالون، فمن أين يبدأون، وعلى أي أساس يستندون، ولمن يسمعون أو يقرأون، ومن يشاهدون.. "الكاتب الكبير" أم "المحلل الكبير" أم "المؤرخ الكبير" ففوضى الألقاب جعلت الكل كباراً، رغم أن الفرق كبير بين من يكبره الناس، لعلمه ومكانته واحترامه وتقديره للآخرين، ومن يكون كبيراً بماله، أو محطته، أو قناته، أو جريدته، أو مصنعه، أو ما يطلبه في مقاله أو لقائه، أو برنامجه.. أو ما إلى ذلك..!
المنتصرون هم الذين يكتبون التاريخ، للأسف، ونظرة فاحصة على ما تمت طباعته على الورق، أو ما تم بثه عبر الفضائيات، خصوصاً الإخبارية، من أفلام هزلية "تسجيلية" عن احتلال العراق تؤكد ذلك، ومن يشك عليه أن يدع "ديكارت" ويفعل ما هو مكـلّـَفٌ به في الدنيا قبل أن يأتيه اليقين.. أسأل اللهَ أن يرزقنا وإياكم طول العمر وحُسن العمل.
المنتصرون يكتبون التاريخ تمجيداً لانتصاراتهم، وفخراً بتحريرهم هذا البلد، أو تخليصهم بلداً غيره من طاغية يحكمهم بالحديد والنار، أو نشر الديموقراطية في بلد ثالث، أو محاربة الإرهاب في بلد رابع..!
والاحتلال الذي أصبح تارة "تحريراً" وأخرى "قضاءً"، وثالثة "ديموقراطية"، ورابعة "حرباً" على الإرهاب، لم ولن يتغير، مهما سموه، مهما وصفوه، مهما غطوه، فهم مكشوفون، ومعروفون، وواضحون لدرجة أنهم يعلنون خططهم التي بدأوا في تنفيذها على أرض الواقع، والعلاقة وثيقة بين "الواقع" الذي نحياه و"الواقع" من رأسه إلى أخمص قدميه في ديون لا ذنب لشعبه فيها وما أكثرهم في زماننا..!
في تصريح لجندي أمريكي تناولته الصحف والفضائيات مؤخراً قال كلاماً خطيراً: "إن صدام حسين قبل إعدامه بثوان كان مبتسماً وينظر إلى السماء، ويتمتم بالشهادة "أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله"، كان ثابتاً، وغير خائف، وغير عابئ بإعدامه، وكان كل من في غرفة إعدام صدام مرعوبين، لدرجة أنني ظننت بعد إعدام الرئيس العراقي أن المكان كله سينفجر بما فيه ومن فيه، ولم أستبعد تلك الفرضية رغم إجراءات الأمن التي لم يسبق لها مثيل في التاريخ"..!
والغريب ليس في خطورة ما ذكره هذا الجندي الأمريكي، حيث كان من الذين أشرفوا على إعدام الرئيس العراقي، بل في توقيته، وعليكم أن تحسبوا المسافة بين تاريخ التصريح وتاريخ إعدام الرئيس العراقي كي تحسبوا بكم يُكتَب التاريخ؟!
المنهزمون لا يكتبون التاريخ، وإن كتبوه، فسيكتبونه استجداءً إن قرأه أحد، أو استعطافاً إن سمعه أحد، أو استرحاماً إن رحمهم أحد، والدليل الأول وليس الأخير واضح في قراري مجلس الأمن رقمي 242 و338 اللذين نادى بهما أجدادنا، ثم آباؤنا، ثم ننادي بهما، وسينادي بهما أبناؤنا، ثم أحفادنا، ثم... ثم... وما من مجيب...!
"يملكون حق القوة ونملك قوة الحق".. تعددت شعاراتنا رغم أهميتها وصدقها وواقعيتها، لكننا لم نعمل، مهزومون من الداخل، ثم بالمرجفين الذين لا يخلو منهم عصر ولا مصر بدليل أنهم كانوا في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم..!
تاهت خططنا وأفكارنا بسبب المنافقين الذين لم ولم ينتهوا "إلا بإذن الله"، والشاهد اليقيني على ذلك أن المنافقين كانوا يصلون خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم..!
أما المحايدون فكيف يكتبون تاريخاً لم يروه أو يسمعوه أو يشاركوا فيه؟!
رغم أن الحياد موقف، وعدم الانحياز كذلك "أيام كان"..!
أكتفي بتلك الإشارة إلى المحايدين، وكي لا أطيل اسمحوا لي بإرجاء الكتابة عن المنبهرين والواصلين والوصوليين وغيرهم مع "من يكتب التاريخ"؟! إلى المرة المقبلة إن قدَّر الله لنا اللقاء والبقاء.
محمـد عبـد المعـز