ملايين وملاليم..!
كثيراً ما نسمع أو نقرأ أو نشاهد البون الشاسع بين أصحاب الملايين والملاليم..!
وفي مصر المحروسة حيرة أصحاب الملايين أكبر، ومشكلاتهم أعمق، وبينهم وبين الراحة النفسية بُعد المشرقين..!
لماذا؟!
لأنهم -إلا من رحم الله منهم- حصلوا على ملايينهم تارة بـ "الهبش" وأخرى بالنصب، وثالثة بالتوقيع، فكل توقيع له ثمن، وكل موقِّع له سعر، ويرتبط كل توقيع بالورقة التي يكون عليها حسب المقدَّم والمؤخر حتى يتم الارتباط أو فك الارتباط.. إنت فاهم حاجة؟!
لا.. الحمد لله ولا أنا..!
الأسعار في مصرنا المحروسة غير محروسة بأي ضابط ولا رابط، كل تاجر يبيع "على راحته" وكل "قصاب" جزار يعني، يبيع اللحم بسعر خصوصاً بعد أن وصل سعر الكيلو إلى 52 جنيهاً، ورغم ذلك يقولون: هل من مزيد؟!
إذا كان أصحاب الملايين يئنون، ويجأرون بالشكوى للعلي القدير من الغلاء الذي أصبح يأكل الأخضر واليابس "الدولار واليورو" وهذا اجتهاد شخصي قد يصيب "والاجتهاد اللي ما يصيبش يدوش"..!
وإذا كان أصحاب الملايين يشعرون بحجم المعاناة في الحصول على ضرورات الحياة، والضرورات عندهم من الإبرة إلى الصاروخ..!
وإذا كان هؤلاء الأغنياء مالاً أو جاهاً أو سلطاناً أو الثلاثة معاً يحاولون، ويتفاوضون، ويفاصلون للوصول لأقل سعر ممكن، فماذا نفعل؟!
ماذا يفعل أصحاب الملاليم للحصول على رغيف الخبز؟!
ماذا يفعلون لشراء ما يقتاتون به ليتمكنوا من ممارسة أعمالهم الشاقة غالباً؟!
ماذا يفعل أصحاب الملاليم لسد رمقهم ورمق من يعولون وقد أصبحت الأسعار في سابع سماء، والدخول –إن وُجدت- في سابع أرض؟!
سيستمر الصراع، ويزيد، ويشتد، ويلتهب طالما أن الفجوة بين الراتب والإنفاق الشهري لن نستطيع ردمها برمال وزلط وحديد الدنيا، خصوصاً الحديد الذي يجعلنا نرفل في ثوب العِـز وأحمد الله الذي لا يحمد على مكروه سواه..!
إذا كان من يجدون كل شيء حائرين، فكيف بمن لا يجدون شيئاً؟!
كيف بمن لا يريدون شيئاً إلا الستر؟!
كيف بمن يعملون فترتين أو ثلاثاً، ويقضون يومهم برغيف وقطعة من الجبن أو الطعمية.. أو علبة تونة كرفاهية تخلصهم من الفول!.. ويعجزون عن الوفاء بالتزاماتهم نحو عائلاتهم، رغم قلتها؟!
كيف يتمتع هؤلاء بالخروج، بعد أن دخلوا عنق الزجاجة؟!
كيف ينعمون بالفسح، بعد أن تفسحت الالتزامات وتفسخ الراتب؟!
كيف يتمكنون من التصييف في رأس البر مثلاً، بعد أن كادت رأس الواحد منهم تنفجر من الحساب ليل نهار في راتب لا تنفع معه آلات ولا حسابات الدنيا؟!
كيف يحلم أصحاب الملاليم بشرم الشيخ وقد انشرمت جيوبهم وضاق الرتق على الراتق؟!
كيف ومتعة هؤلاء الوحيدة هي دفع الإيجار وتأمين مصاريف البيت ولو بالدَّيْن؟!
كيف وأملهم سداد القرض للحصول على قرض آخر في دائرة لا تنتهي؟!
كيف وهمهم الوحيد هو جعل الخصوم في الميزانية كالأصول في زمن أصبح من يراعون فيه الأصول قليلين والخصوم لا حصر لهم؟!
يا أصحاب الملايين.. حنانيكم، نرجوكم، نغبطكم على ما أنتم فيه، من حقكم أن تأكلوا وتشربوا وتهنأوا، وتسافروا وتصيفوا، لكننا نناشدكم أن تتركوا لنا رغيفاً عزَّ علينا، وجُبْناً علمنا الجُبْنَ بأنواعه، وفولاً زاد تبلُّد مشاعرنا، وطعمية أصبحت لا طعم لها، لأن هناك فرقاً بين من يأكل كل ذلك رفاهية ومن يأكلها حاجة، هناك فرق بين من يأكلها كفاصل قصير بين اللحم والدجاج والسمك، ومن يأكلها "عرض مستمر" بل لا يجدها أحياناً..!
يا أصحاب الملايين.. من حقكم أن تُحلّوا بعد الأكل بكل أنواع الحلو، لكن من حقنا أن تحِلوا عنا، لأنكم لن تحلوا لنا مشكلاتنا، فلستم أهل مصر ولا أدرى بشعابها، ولا بشعبها، ولكنكم أهل كوكب آخر غير الذي فيه نحيا، فلكم حياتكم والله يرحمنا برحمته التي وسعت كل شيء.
محمـد عبـد المعـز