المحاولة الثامنة
المساواة والتحرّر..!
تتحفنا وسائل الإعلام في كل مناسبة –بل ومن دون مناسبة- بإظهار "انحيازها" إلى المرأة، ويتبارى الكتّاب في عزف هذا اللحن "النشاز"، وتتسابق صاحبات الأقلام إلى ركوب الموجة نفسها، ويحشر الجميع حشراً في كتاباتهم –كأنه اتفاق مسبق- مصطلحات كالمساواة، والتحرّر و"سيادة الرجل"..!
يقولون: لابد من أن تتمرّد المرأة على هذا الوضع، فلسنا في عصر الإماء!.. نحن في الألفية الثالثة، وليس من العقل أبداً أن نعود إلى العصور "المظلمة" التي كانت فيها "مأمورة" فقط، ولا تخرج من بيتها إلا إلى "قبرها"..!
لنتفق أولاً على أن التعميم خطأ في مجمله، والمناداة بالمساواة –مثلاً- قول في ظاهره الرحمة وباطنه العذاب.. تطالبون بمساواة مَن بمَن؟!.. وتريدون "تحرير" مَن مِمَن؟!
لقد بالغ المبالغون، وأسرف المسرفون، وأرادوا "تحريرها" لكي "يستعبدوها" هم، ويعرضوها سلعة رخيصة على كل زاعق وناعق..!
أوهموها بأن لا سلطان لزوجها عليها.. من حقها أن "تدخل" البيت متى شاءت، و"تخرج" منه متى شاءت أيضاً..!
والنتيجة: أصبحت الزوجة "تدخل" عندما يكون الزوج "خارج" البيت.. والعكس صحيح..!
أصبحت الزوجة تبكي إذا ضحك، وترضى إذا غضب، وبدلاً من أن تعين زوجها تعين عليه..!
أقول وبالله التوفيق.. من "الظلم" أن يتحكّم الرجل في زوجته التي بلغت من العلم ما بلغت، ويطلب منها أن "تغمض" عينيها عن كل ذلك ولا تفتحهما إلا على "طلعته" البهية لتقول له: "سمعاً وطاعة يا مولاي"..!
ومن "الظلم" أيضاً أن "تستعرض" الزوجة بعلمها و"تتطاول" بعملها، وتريد رجلاً تحت الـ "طلب" يكون دائماً جاهزاً للـ "عرض".. يقول لها: "طلباتك أوامر يا هانم!".
الاثنان مخطئان، والعلاقات الزوجية "تتوه" بين الإفراط والتفريط.. إفراط الزوج في "إخضاع" الزوجة له وطاعتها له في جميع الحالات.. وتفريط الزوجة برفض هذا الخضوع وتلك الطاعة العمياء...!
أنا معكم –رغم أن ذلك قد يبدو غريباً للوهلة الأولى- لكنني أطالب بالمساواة التي قرّرها الله وبيّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: في العمل الصالح، في الحقوق والواجبات، في الحياة، في الحرية، في كل شيء.. لكن بالضوابط الشرعية التي حدّدها مَن خلق المرأة ويعلم ما يسعدها في دنياها وأخراها.
لقد كرّم الله الأنثى ففرض على أبيها حق كفالتها من كل النواحي، فإن مات انتقلت كفالتها لأخيها، أو عمها، أو خالها، أو وليها، أو.. أو.. أو.. لم يتركها دون معيل حتى تصل إلى بيت زوجها فيتولى هو أمر كفالتها، وإسناد هذه المهمة للرجل تكليف وليس ميزة أو أفضلية له على زوجته.. إن الله عز وجل ضمن لها من سيحاسَب "هو" عليها.. من "بيتها" إلى "قبرها"..!
لقد ساوى الله بين الذكر والأنثى في الأمور الواضحة التي لم يرد فيها تخصيص للرجل، فالإسلام الحنيف يرى أن الزوجة ليست أقل من الزوج لكي تطالب بمساواتها به، ويقرر أنها ليست "أمَة" بل هي "أم" لمن "قد" يقود الأمة، فالله عز وجل حدّد معيار التفضيل بين الناس جميعاً فقال سبحانه: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم).. الحجرات: 12.
.. فالمفاضلة بالتقوى، لا بالنوع، ولا باللون، ولا بالعِرق.. حتى عندما سأل رجل رسولَ الله صلى عليه وسلم: لمن أزوّج ابنتي؟ قال له: "لمن يتقِ الله، فإن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها" وتلك حقيقة واضحة في العلاقات الزوجية، فالنتائج تأتي وفقاً للمقدّمات، والتقي تدفعه تقواه إلى إكرام زوجته إن أحبها، و"تردعه" تقواه أيضاً عن ظلمها.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يفرك (يكره) مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلُقاً رضيَ منها خُلُقاً آخر".
المنادون بإلغاء "سيادة الرجل" –وما أكثرهم- يعارضون نصاً قرآنياً صريحاً، فالله عز وجل قال: (... فألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلا أن يُسجَن....) يوسف: 42.
فـ "سيدها" في الآيى يعني زوجها، وتأكيداً لذلك "بأهلك" فالأهل هي الزوجة.
كن –عزيزي الزوج- سيداً في العطاء، في الحب، في التسامح، في العِشرة، في حُسن الخُلق، فالسيادة التي منحها الله لك لا تعني التسلّط.. كن أهلاً لمنحة الله كيلا تكون محنة عليك..!
الذين يزعمون أن عودة الزوجة إلى الأصل عودة إلى العصور "المظلمة" يغمضون أعينهم –أو يتغامضون- عن "نور" الحق.. (لقد جاءكم من الله نور....) فهل يضيرُ الشمس الساطعة في رابعة النهار ألا يراها هؤلاء؟!
يقول الله عز وجل عن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام: (...... ليخرجكم من الظلمات إلى النور)، ويقول سبحانه وتعالى أيضاً: (... وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً) الإسراء: 45.
أقول للمناديات بالمساواة:
كيف تطلب نفس المساواة بنفسها؟!
كيف يطلب "جزء" المساواة بـ "كله"؟!
إذا كان الرجل "كله" لكِ.. زوجاً وأباً وأخاً وابناً وعماً وخالاً.. فماذا تريدين؟!
أقول للمدّعين –وما أكثرهم- (.. ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور).. النور: 39.
اللهم اعصمنا من الزلل واهدِنا وإياكم وإياهم إلى صالح القول والعمل.
محمد عبدالمعز