كن جميلاً.. وأنتِ كذلك..!
الجمال حلم البشرية منذ خلق الله آدم، وسيظل حتى يرثَ الله الأرض ومَنْ عليها، فالجمالُ يريحُ القلب، ويمتّع العين، ويهدئ النفس، ويجعلك تسبح في ملكوت الله، قائلاً بملء فيك: "ما شاء الله.. سبحان الله" متيقناً أن ذلك صُـنْع الله الذي أحسن كل شيء.
والله عز وجل منح كلاً منا نسبة من الجمال، فمثلاً متوسطة الجمال تجدها جميلة الخُـلُـق، ذكية، ومتعاونة.. وكذلك مَنْ ليس له نصيبٌ وافرٌ من الجمال تجده خفيفَ الظل، سريعَ البديهة، محباً لغيره ومحبوباً منهم.
والجمال نِسبي.. بمعنى أنك قد تراها جميلة رغم أنها ليست بيضاء، وتراكَ هي أفضلَ الرجال لأنك قمحي اللون، وبينما ترى إحداهن اللونَ الأبيضَ عيباً في الرجل، تشترط الأخرى ذلك..!
أما العينان فهما أم المشكلات "إن جاز التعبير" فقد رأيتُ بعينيّ الاثنتين من يشترط أن تكون عينا زوجته خضراوين، والأغرب من ذلك أنني عندما سألته عن السبب.. قال: "تخيّـل شكلها عندما تبكي"..!
والجمال كان ومازال وسيظل هاجسَ الشعراء، والأدباء والرواة، وسخَّر له المفكرون النصيب الأكبر من أوقاتهم، ورسمه الفنانون، وجسَّده الممثلون، واتفق الجميع على أنه نِسبي، فالجمال المطلق لمن خَلَق فسوى وقدَّر فهدى.
ولو بحثَ كلٌ منا عن الجمال في نفسه لتيقن من عدل الله في جميع البشر، فمن أنعم الله عليها بجمال الخلق قد تغرق في شبر ماء كما يقولون، ومن جمَّله الله بآية من آيات عظمته تجده لا يحسن التعاملَ مع الآخرين، لذلك لا يكون مرغوباً منهم.
وتنوع الجمال بين الناس لا علاقة له بعلاقة أحدهم بربه، فمثلاً تجد شاكراً لم يُعط جمالَ الخلق، وجاحداً أنعم الله عليه بنسبة عالية منه..!
لذلك يجبُ على الجميع شكرَ الله على ما أنعم عليهم به من جمال الخلق والخُلُق، ومحاولة تمثّل الجمال في أنفسهم حتى ينعكس ذلك سلوكاً على المحيطين بهم، فالزوجة مطالَبة شرعاً بالتجمّل لزوجها، والزوج كذلك، كما قال ابن عباس رضي الله عنه: "والله إني لأحب أن أتزين لزوجتي كما تتزين لي".
وللجمال صورٌ عديدةٌ غير جمال الخلق والخُلُق، فجمال البيئة، وجمال البيت، وجمال الشارع، وغير ذلك، من صور الجمال الخارجي التي تكمل الصورة، وتجعل الأصلَ جميلاً، وتشعر الجميع برغبة جادة في الحياة، والأمل، والانطلاق والتفاؤل.
والخلاصة –أحبتي- أنه ليست هناك قبيحة، وليس هناك دميم، فمن لا يرغب في سمراء البشرة يجد غيره مولعاً بها، ومن لا تحب الأسمر تجده معشوقاً من غيرها.. بمعنى أن لله حكمة في ذلك، أريد هذه، وتريد تلك، وتريد هي نوعاً معيناً، وتريد غيرها نوعاً مختلفاً كي يتزوج الأسمر بيضاء أو الأبيض سمراء، أو يتزوج الأبيضان أو الأسمران، وينجب من يشاء الله بإذنه سبحانه من أجل إعمار الكون واستمرار الحياة.
الجمال بحاجة إلى استشعاره، استخراجه، إحساسه، كي يراه الجميع على أرض الواقع، فكم من جميلة لا تجد معنى لجمالها، وكم من جميل لا يألف ولا يؤلف، لأن ذلك مرتبط بعوامل أخرى كالذكاء، والعِشرة، والمودة والتآلف، ولين الجانب، وطيب الكلام، والتواضع.. وتلك أهم صفة، من أنعم الله عليه أو عليها بها فقد أحبه الله وأحبه الناس، وأحب هو الله وأحب الناس أيضاً، فالتواضع جميل والجمال تواضع.
هذه دعوة -أحبتي- للجمال، للتواضع، للحب، للتآلف، للمودة.. نحمد الله على ما أنعم علينا به، ونغبط غيرنا على ما حباهم الله به، فالله فضَّـل بعضنا على بعض، ورفع بعضنا فوق بعض درجات ليتخذ بعضنا بعضاً سخريا، لكن لا تنسوا أن رحمة الله خيرٌ مما يجمعون.
"كن جميلاً ترى الوجودَ جميلاً.. وأنتِ كذلك".
محمد عبدالمعز