كيف تنتصر الأمة؟!
(كنتم خير أمة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله).
بنظرة متأنية إلى حال الأمة نجد تمزّقاً بين الدول، وفي الدولة الواحدة نفسها.. نرى تباغضاً بين أبناء أمة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، وحقداً وحسداً يمارسهما أغلب المحيطين وأقرب المقرّبين.. نشهد التآمر علانية، والضرب تحت الحزام سراً.. وظاهر أمتنا أصبح أسوأ من باطنها..!
فكيف تنتصر الأمة؟!
إننا مهزومون في شتى بقاع الأرض رغم أننا مسلمون وموحدون.. ألا ترى حال خير أمة أُخرجت للناس؟!
ألا ترى الذٌّل الذي تتعرض له الأمة التي أعزها الله بالإسلام؟!
ألا ترى؟ ألا تسمع؟ أليس ما نحياه هو عجب العجاب؟!
لقد مللنا الوعود، وسئمنا انتظار ما قد لا يجيء، وجرّبنا الصبر فوجدناه مُراًَ.. لقد انتظرنا اليسر الذي بين العسرين، ومازلنا كذلك.. فكيف؟ ولماذا؟ وإلى متى؟!
إلى متى نقول، ونكتب، ونلوم، ونعاتب، ونؤنّب، وننتقد، وننظِّر ولا يتغير شيء؟!
باختصار.. لأننا لا نغير ما بأنفسنا..!
إلى متى ننشد الكمال ونحن نفتقده في أنفسنا؟!
إلى متى نرى العالم كله شياطين ونحن كالملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يأمرون؟!
إلى متى تضيع القيم والمبادئ والمثل والمعاني السامية تحت زعم المصلحة، والأنا البغيضة؟!
نحيا عصر "أنا ومن بعدي الطوفان" لذلك غرقنا جميعاً.. ونبحث –دون جدوى- عن سفينة النجاة..!
لقد غرقنا في بحر العولمة، لأننا لا نجيد السباحة.. ضِعنا بين نظريات الشرق وقوانين الغرب، وحِرنا بين شد الشمال وجذب الجنوب، والنتيجة أننا أصبحنا بين مد الشر وجزر الخير.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
لسنا بحاجة إلى حكمة الفلاسفة ولا فلسفة الحكماء.. نحن في غنى عن خبرة المجرّبين وتجربة الخبراء.. ونظريات العلماء، ودهاليز الساسة.. نحن بحاجة إلى الإصلاح بالطريقة الشرعية.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها".. بالكتاب والسنة.. أين؟ ومتى؟ وكيف؟!
يقول الله عز وجل: (وأصلحوا ذات بينكم).. البداية تكون بإصلاح ذات البين.. بين الزوج وزوجته، الأب والأم والأبناء والإخوة والأخوات والأصدقاء والمجتمع والمنطقة والدولة والأمة.
نحن بحاجة إلى الصدق.. يقول الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين).
نحن بحاجة إلى سلوك المسلم، التزامه، صبره، حلمه، رحمته، حرصه على أخيه المسلم، فالمسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضاً.
نحن بحاجة إلى الأخت الملتزمة التي تخشى ربها، وتفعل كل ما يرضيه، وتجتنب ما يغضبه طمعاً في رضاه وأملاًَ في جنته.
نحن بحاجة إلى الأبناء الصالحين الذين يحترمون والديهم، ويحب بعضهم بعضاً، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.
نحن بحاجة إلى أن نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه.. فالاختلاف رحمة، لكن مع من يعي قيمته، ويذعن للحق، ويناقش لكي يعرف، لا لكي يقول إنه يدري، وهو لا يدري أنه لا يدري..!
نحن بحاجة إلى تنقية قلوبنا، وعقولنا، ونفوسنا..
بحاجة إلى تحديد أهدافنا، واختيار السبل التي توصلنا إليها..
بحاجة إلى الجنة وما أغلاها من غاية.. وما أيسرها من وسيلة.. إنها سلعة الله (إن الله اشترى من المؤمنين أموالهم وأنفسهم بأن لهم الجنة...).
نحن بحاجة إلى صلح عام، عفو عام، مغفرة عامة.. من الجميع إلى الجميع.. (ألا تحبون أن يغفر الله لكم)؟!
أحبتي.. كونوا كأبي بكر الصديق رضي الله عنه الذي قال رداً على (ألا تحبون أن يغفر الله لكم): بلى.. أحب يا رسول الله، وصفح عن مصبح في القصة المعروفة "حادثة الإفك".
كلنا نحب، لكن هذا وحده لا يكفي، لابد من السلوك الذي يؤكد أننا نحب.. (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله...).
محمد عبدالمعز