الإمبراطور..!
كنتُ قبل الزواج أحلم بإمبراطورية أكون إمبراطورها الوحيد.. له الأمر والنهي.. طلباته أوامر، بإشارة من طرف عينه تسير الأمور.. قبل أن يتحدّث يجد الجميع يقولون له: "شبيك لبيك" على طريقة عفاريت زمان..!
كانت أحلامي كبيرة، وطموحاتي تطاول عنان السماء، وخططي الخمسية والعشرية والمئوية كلها موضوعة بدقة لا حدود لها..!
كانت أحلام مراهقة، وطموحات شباب، وأمنيات رائعة.. وذات يوم كتب الله عليّ ما كتبه على السابقين وسيكتبه على اللاحقين بالزواج، وعند ذلك بدأت الأمور تأخذ منحى آخر وطريقاً مختلفاً..!
تجد في الزواج كل الأضداد.. تحار إن لم تفهم زوجتك، وتزداد حيرتك إن فهمتها!.. إن صارحتها قالت إن ذلك من أبسط حقوقها، وإن كذبت عليها أدخلتك جحيم الدنيا وأقنعتك بأنك من أهل النار في الآخرة..!
تجدها تريد منك تقريراً مفصلاً عن كل ما فعلته، وتفعله، وستفعله!.. تمارس معك كل الوسائل، بداية من القسم بأغلظ الإيمان.. إلى عرضك على جهاز كشف الكذب.. فأنت متهم حتى تثبت إدانتك.. لا بريء حتى تثبت إدانتك كما يقول القانونيون..!
أعرف صديقاً لي يقول لزوجته كل ما في حياته.. بداية من خروجه من المنزل وصولاً إلى ما تحدّثه به نفسه!.. والغريب أنه غير سعيد معها..!
وأعرف صديقاً آخر سار في الاتجاه المعاكس.. لم يقل لزوجته أي شيء عن أي شيء.. ولا يفرّق في ذلك بين عظائم الأمور وصغائرها.. وهو أيضاً غير سعيد معها..!
اخترت لنفسي طريقاً بين الاثنين، مُبعِداً الكذب بشكل كامل عن حياتنا، وعاهدت الله على أن أتحمّل النتائج، لكنني تيقنتُ أنني وصديقيّ نعاني المشكلة نفسها مع اختلاف في الأسماء والوسائل.. والنتيجة أننا جميعاً غير سعداء.. ولا زوجاتنا أيضاً، فلماذا؟!
لأننا –باختصار- نبالغ في كل شيء، نبالغ في الصدق، ونبالغ في الحب، ونبالغ في الخصام، ونبالغ حتى في التعاطف!.. متطرفون في حبنا، وكرهنا، وخصامنا.. وحتى أحلامنا..!
نحلم بالجنة فماذا أعددنا لها؟!
نحلم بالسعادة ولم نخطط لها..!
نحلم بالغنى ونحن في سبات عميق..!
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم البشر، أعظم زوج عرفته البشرية، أحب وأخلص، ومنح بلا حدود، دون مقابل، طمعاً فيما عند الله.
كان وفياً بكل ما تحمل الكلمة من معان، لدرجة أنه صلى الله عليه وسلم قال: "أرسلوا لصويحبات خديجة" وكان ذلك من الأضحية بعد وفاة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها.
ولم ولن نكون سعداء إلا باتباع رسول الله، وصحبه الكرام، والتابعين وتابعيهم..
فتشبهوا بهم إن لم تكونوا مثلهم
إن التشبه بالكرام فلاح
وضح لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء بنفسه في بيته، في عمله، في سلوكه، في قوله، في صمته، في وفائه، في حبه، في سعادته، في رفقه، في رحمته، وعلينا أن نقتدي، وبذلك سنسعد ونُسعِد، نسعد مع زوجاتنا ونسعدهن معنا في طاعة الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
اللهم ابعدنا عن البيت الأبيض والبيت الأحمر، وقربنا من بيوت رسول الله التي مُلئت حباً وعطفاً ووداً ورحمة أضاءت للعالم كله الطريق، ووضعت للعالم كله المنهج، وفصّلت للجميع خططاً تكفل السعادة منذ خلق البشرية حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
محمد عبدالمعز
موضوع: الإمبراطور..! 
السبت 31 أكتوبر 2009 - 2:03
