امرأة لا تتحدث إلا بالقرآن
حكى بعضهم قال: خرجت حاجاً إلى بيت الله الحرام وزيارة نبيه عليه الصلاة والسلام، فبينما أنا في الطريق إذا أنا بسواد على الطريق، فتميزتُ ذاك فإذا هي عجوز عليها درع من صوف وخمار من صوف، فقلت: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، فقالت: (سلامٌ قولاً من رب رحيم)، قال: فقلت لها: رحمكِ الله ما تصنعين في هذا المكان؟ قالت: (ومن يضلل الله فما له من هاد)، فعلمت أنها ضالة عن الطريق، فقلت لها: أين تريدين؟ قالت: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى)، فعلمت أنها قد قضت حجها وهي تريد بيت المقدس، فقلت لها: أنت منذ كم في هذا الموضع؟ قالت: (ثلاث ليال سوياً)، فقلت: ما أرى طعاماً تأكلين، قالت: (هو يطعمني ويسقين)، فقلت: بأي شيء تتوضئين؟ قالت: (فإن لم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً) فقلت لها: إن معي طعاماً فهل لك في الأكل؟ قالت: (وأن تصوموا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون)، فقلت: لِم لا تكلميني مثل ما أكلمك؟ قالت: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيبٌ عتيد)، قلت: فمن أي الناس أنت؟ قالت: (ولا تقفُ ما ليس لكَ به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً)، فقلت: قد أخطأت فاجعليني في حِل، قالت: (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم)، فقلت: هل لي أن أحملك على ناقتي فتدركي القافلة؟ قالت: (وما تفعلوا من خير يعلمه الله)، قال: فأنخت الناقة، قالت: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) فغضضت من بصري عنها، وقلت لها: اركبي، فلما أرادت أن تركب نفرت الناقة فمزقت ثيابها، فقالت: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) فقلت لها: اصبري، قالت: (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون)، قال: فأخذتُ بزمام الناقة فجعلت أسعى وأصيح، فقالت: (واقصد في مشيك واغضض من صوتك) فجعلتُ أمشي رويداً رويداً وأترنم بالشعر، فقالت: (فاقرأوا ما تيسر من القرآن)، فقلت لها: لقد أوتيتِ خيراً كثيراً، فقالت: (وما يذكر إلا أولو الألباب)، فلما مشيتُ بها قليلاً قلت: ألكِ زوج؟ قالت: (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) فسكتّ ولم أكلمها حتى أدركتُ بها القافلة، فقلتُ لها: هذه القافلة، فمن لكِ فيها؟ قالت: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا)، فعلمت أن لها أولاداَ فقلت: وما شأنهم في الحج؟ قالت: (وعلامات وبالنجم هم يهتدون)، فعلمت أنهم أدلاء الركب، فقصدت القباب والعمارات فقلت: هذه القباب، فمن لكِ فيها؟ قالت: (واتخذ الله إبراهيم خليلا) و(كلم الله موسى تكليماً) و(يا يحيى خذ الكتاب بقوة)، فناديت: يا إبراهيم، يا موسى، يا يحيى، فإذا بشبان كأنهم الأقمار، قد أقبلوا، فلما استقر بهم الجلوس، قالت: (فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاماً فليأتكم برزق منه) فمضى أحدهم فاشترى طعاماً فقدموه بين يدي، فقالت: (كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية)، فقلت: الآن طعامكم عليّ حرام حتى تخبروني بأمرها، فقالوا: هذه أمنا منذ أربعين سنة لم تتكلم إلا بالقرآن، مخافة أن تزل فيسخط عليها الرحمان، فسبحان الله، فقلت: (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم).