إنفلونزا الاختلاف..!

إنفلونزا الاختلاف..!

كتبت كثيراً عن الاختلاف.. هنا وهناك وهنالك، وتناولت الاختلاف وحده تارة، وفي بعض الردود أخرى، وبين الأخذ والرد تتجدد الكتابة..

الاختلاف حكمة إلهية وسنة كونية، لذلك من الطبيعي أن نختلف، وليس في ذلك عيب ولا ضير، لكن العيب في كيف نختلف، والضير في حل الاختلاف، بعيداً عن كتاب ربنا الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.

من قرر الاختلاف، وأوجد أسبابه هو الذي وضع ضوابطه، وحد حدوده، وشرع حلول الخروج منه بالاتفاق على كلمة سواء، فقال ربي والحق ما قال ربي: (وإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً).

ليس هذا فحسب، بل علينا أن نتيقن أن اختلافنا لم ولن ينتهي إلا بالعودة إلى من بيده مقاليد السماوات والأرض، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء"، بشرط أن تكون العودة إلى الله برضا وتسليم وإيمان: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً).

الاختلاف ضرورة

لابد أن نختلف لاختلاف أفكارنا، وتوجهاتنا، وانتماءاتنا، وأهدافنا، وتطلعاتنا، وغير ذلك من الأمور التي لا تعيبنا، لكن أن يصل الاختلاف إلى خلاف، فلابد من وقفة مع النفس، ومع الغير، ومع المحيط، ومع المجتمع.. من الكل مع الكل.

أدب الاختلاف

أدب الاختلاف.. فن الاختلاف.. هندسة الاختلاف.. فقه الاختلاف..

قد نختلف حتى على التسمية، لكن ذلك ليس خلافاً ولم ولن يكون..

نحن بحاجة إلى أدب الاختلاف بأدب، ورسم الاختلاف بشكل هندسي بديع يمكنه احتواء الجميع في بيتنا.. في غرفه وشرفاته ونوافذه ومداخله ومخارجه.

نحن بحاجة إلى فن الاختلاف بمشاعر رقيقة وأحاسيس نبيلة، وقلوب مخلصة.. تمنع بحب، وتحب بعطاء، وتعطي بصدق، وتصدق القول والعمل للواحد الأحد (وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين...).

نحن بحاجة إلى فقه الاختلاف.. عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، كي يكون اختلافَ تنوع لا اختلافَ تضاد، فنتعاون فيما اتفقنا فيه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا عليه.. "التمس لأخيك سبعين عذراً".

لماذا؟!

لماذا تتهمني وأتهمك، ترفع صوتك ويكون صوتي أعلى.. ترفع يدك فأرفع يدي الاثنتين.. تهدد فأعد بنسفك؟!

لماذا تسخرين من أختك فتحتقرك.. تسفهينها فتقل لك: من أنت؟!.. تتجاهلينها، فترد عليك: "والله لأوريك"؟!

لماذا لا نتحلى بأدب الحوار، وسعة النقاش، ونتجادل بالتي هي أحسن؟!

لماذا نرى أنفسنا منزهين وغيرنا مارقين وضالين و... و... ؟!

لماذا نحتكر الصدق ونكذب الجميع؟!

لماذا نعتبر أنفسنا وكلاء قطع غيار الفضيلة، ونرفض بيعها لمن نزعم أنهم غرقوا في الرذيلة وفقدوا الوسيلة ولم تعد لديهم حيلة؟!

إلى متى؟!

إلى متى نجد ردوداً لا تراعي الحد الأدنى من الأدب، ولا القدر الضئيل من الفهم؟!

إلى متى نتطاول، ونتعالم، ونتعالى، ونتكبر، ونتجاوز حدود اللباقة؟!

إلى متى هذه الهوة السحيقة التي خنقتنا بغازات أنانيتنا وغرورنا وسطحيتنا؟!

إلى متى هذا البحر الذي أغرقنا بمياهه الآسنة وأمواج ظلمنا العاتية؟!

إلى متى نسير وراء أخطائنا وزلاتنا وهفواتنا كسراب يحسبه الظمآن ماء؟!

الحسن والحسين

هما سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم و"السبط" ابن الابنة و"الحفيد" ابن الابن..

رأى الحسن والحسين رضي الله عنهما وعن أبيهما رجلاً لا يحسن الوضوء، فاتفقا على أن يعلماه، فقال له الحسن: يا عماه اختلفت وأخي على الوضوء، فاسمح لنا بأن نتوضأ أمامك واحكم بيننا.. أينا يشبه وضوؤه وضوءَ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

وبعد أن فرغا من وضوئهما، قال لهما عمهما: اليوم فقط تعلمت وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم.

لا تستخف بأحد

نحن مطالَبون جميعاً بعدم الاستخفاف، بعدم التسفيه، بعدم السطحية، كي لا يستخف بنا أو يسفهنا أو يسطحنا غيرنا.

أرجوكم.. لابد من البُعد عن كلمات قد لا تعني الاستهزاء لكن يساء فهمها، أو تأويلها، أو تؤخذ على غير علاتها.. أو أعتبر أنني أو غيري، أو أنت أو غيرك مقصودون بها ويبدأ الاختلاف..!

أرجوكم.. عندي نماذج عديدة وأمثلة لا حصر لها، وأسماء حقيقية، وأسماء مستعارة، لكنني حفظاً لإخوتي الأحباب، وحرصاً على أخواتي الفاضلات، فضلت عدم ذكرها، كي لا نختلف من جديد..!

الخلاصة

مشكلة الاختلاف الأساسية.. أن كلاً من الفريقين يرى أنه على حق، سواء أكان ذلك بين شخصين، أو فريقين، أو جماعتين، أو حزبين، أو دولتين، أو عالمين.. أول وثالث.. أو أول وثالث عشر..!

أرجو أن أكون قد قصرت –بما من الله علي به وكتبته- المسافة بين المختلفين، وردمت الهوة بينهما، ووضعت جسراً يسهل عبور أحدهما إلى الآخر كي لا نغرق جميعاً في بحر لجي ونضيع في ظلمات بعضها فوق بعض..!

أحبتـــي

لن نكون كباراً إلا إذا كانت النفوس كباراً.. سامحوني إن أطلت، اغفروا لي تقصيري بحقكم جميعاً، كنت ومازلت وسأظل مسامحاً كل من اختلفت معه، أو اختلف معي، وأرجو منكم جميعاً أن تعذروني إن أسأت القول أو العمل.. إن وصلت فكرتي فبفضل الله، وإن لم تصل فأتمنى أن يعينني الله على قول أو فعل ما يجعلني أهلاً لما أقول أو أفعل، راجياً من الله العفو والمغفرة، وأن يتقبل مني ذلك العمل وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم.

أرجوكم.. في ظل عصر إنفلونزا الطيور وإنفلونزا الخنازير وإنفلونزا الخناشير وإنفلونزا الطراطير وإنفلونزا القوارير وإنفلونزا الحناطير.. أرجوكم تكرموا علي بقراءة "إنفلونزا الإخلاص" ولا داعي لانتشار إنفلونزا الاختلاف.. ولنحاصرها في مهدها قبل أن نكتوي جميعاً بنارها.

احترامي وتقديري لمن يتفق معي فيما اجتهدت فيه..

واحترامي وتقديري ومحبتي ومودتي و... و... لمن اختلف معي..

جعلني الله أهلاً لمحبتكم جميعاً.

محمد عبدالمعز

بصراحة موضوع حضرتك جميل بس لازم الواحد يلبس كمامة عشان كمية الانفلونزا اللى موجود فيه
طبعا الاختلاف زى ماحضرتك ذكرت سنة من سنن الله فى الأرض
قال تعالى بسم الله الرحمن الرحيم"" ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين" صدق الله العظيم( سورة هود 118)
المشكلة ليست فى الاختلاف المشكلة فى أدب الاختلاف ولغة الحوار عند الاختلاف واحترام الشخص لمن يختلف معهم وعدم اكتساب أو خلق عداوات لمن نختلف ويختلفون معنا هذه هى المشكلة
لكن الاختلاف نفسه رحمه فمثلا اختلاف الامة الاربعة هو رحمة للأمة وتيسير عليهم بفضل الله ورحمته
وكذلك الاختلاف قد يزيد او يضيف لأحد الشخصين أو الاشخاص المختلفين معلومة جديدة أو فكرة غائبة
فبالتاى الاختلاف فى ذاته مصلحة ومنفعه كبير للبشرية بشرط احترام الاخر
والله اعلم

» إنفلونزا الإخلاص..!